فائدة كون الأنبياء بشر .
كذبت الأمم السابقة وكفار مكة من هذه الأمة بما جاء به الرسل، واستندوا في تكذيبهم على أن الذين أُرسل إليهم بشر . فقال قوم نوح لنوح: { … مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي ءَابَائِنَا الْأَوَّلِينَ(24) } b]. وقال قوم موسى : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ(47)
ومثل هذا في القرآن كثير، حيث رد الله عليهم وبين الحكمة من جعل الرسل من البشر، وأن هذا من لطفه بالخلق ورحمته بهم، فقال-تعالى-: { قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا(95)}] . وقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(164) } =12.
قال ابن كثير عند قوله تعالى -{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ… الآية }- : ثم قال تعالى منبهاً على لطفه ورحمته بعباده أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم ليفقهوا عنه لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولاً من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه ([/size]. وفي قوله تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ(9) ] . بيان من الله أن الرسول لو كان ملكاً لجُعل على هيئة رجل، لكي يألفوه ويأخذوا عنه الدين والعلم، لأن الناس لا يألفون إلا من كان من جنسهم، ولو جاءهم الملك على هيئة رجل لكذبوه كما كذبوا الرسل من قبل
ويتحصل من هذا أن الله لو بعث إليهم ملكاً رسولاً إليهم لما استطاعوا أن يأخذوا عنه العلم والإيمان لاختلاف الجنس والطبع ... ولو أنزل الله إليهم ملكاً رسولاً لجعله على هيئة رجل، ولو كان كذلك لكذبوه كما كذبوا الرسل من قبل، فعاد الأمر إلى التكذيب، وعندئذ تكون دعواهم بإرسال ملكاًَ رسولاَ باطلة أرادوا بها المعاندة والمشاقة .